بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
هل كان أمير المؤمنين عليه السلام يتفرج عند ضرب الزهراء عليها السلام؟
دفاعاً عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه
وتلبية لنداء الزهراء بأبي هي وأمي ونفسي!
يطرح إشكال من أخوتي الأحبة الشيعة ولا ألوم البعض منهم، يعقبه نعقةٌ من أتباع القوم الظالمين:
هل كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه ينظر للزهراء صلوات الله عليها وهي تضرب وتعصر خلف الباب ولا يعمل شيئاً؟ وهل شخصٌ بمثل شجاعته يكون موقفه هكذا؟
لنا هذه النقاط المهمة للإجابة على هذه الشبهة:
أولاً: الهجوم على بيت بضعة رسول الله صلوات الله عليه وآله ما كان متوقعاً من قبل هؤلاء الظلمة، وهل يجرؤ أحدٌ على دخول هذا البيت الطاهر دون إذن؟ وقد قال الله تعالى في آية عامة في سورة النور آية 27-28: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ!
هذا وقد أوصى رسول الله صلوات الله عليه وآله أمته بأهل بيته مراراً وتكراراً، فجاء في صحيح مسلم ج: 4 ص: 1873: ح2408، من قول حديث زيد بن أرقم عندما جاءه يزيد بن حيان وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم، فسألاه عن حديث من أحاديث رسول الله صلوات الله عليه وآله، فقال: قام رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي!
فهل يمكن أن يتوقع هذا الجور وهذا الهجوم من هؤلاء الظلمة وهذه الوصايا تترى على مسامعهم ومسامع المسلمين؟
ثانياً: الهجوم حصل فجأة، أي أن كسر الباب وضرب الزهراء صلوات الله عليها حدث في ثوانٍ معدودة، أي أن الإمام علي عليه السلام لم يكن كما يقول الخطباء بعفوية أو للتنفيس عن قلوبهم المجروحة بعتابهم لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه أو كما يقول الوهابية بحقد وحماقة من أنه كان يتفرج وهم يفعلون ما يفعلون وهو لا يحرك ساكناً!
قد يقول أحدهم بأن الإمام يعلم الغيب؟
نقول بأن المعصوم لا يتعامل إلا بالظاهر، إلا ما كان بأمر من الله جلّ وعلا وأمره أن يقوم بأمر غيبي، وهذا إعتقاد العامة أيضاً ولا يختص به شيعة أهل البيت صلوات الله عليهم، فهم يعتقدون بأن النبي صلوات الله عليه وآله يعلم المنافقين، لكنه لا يتعامل معهم إلا بالظاهر، يقول الطبري في تفسير في ج: 10 ص: 184: فإن قال قائل فكيف تركهم ( يعني المنافقين ) صلى الله عليه (وآله) وسلم مقيمين بين أظهر أصحابه مع علمه بهم؟ قيل إن الله تعالى ذكره إنما أمر بقتال من أظهر منهم كلمة الكفر ثم أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك وأما من إذا يتحقق عليه منهم أنه تكلم بكلمة الكفر وأخذ بها أنكرها ورجع عنها وقال إني مسلم فإن حكم الله في كل من أظهر الإسلام بلسانه أن يحقن بذلك له دمه وماله وإن كان ذلك وتوكل هو جل ثناؤه بسرائرهم ولم يجعل للخلق البحث عن السرائر، فلذلك كان النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مع علمه بهم وإطلاع الله إياه على ضمائرهم واعتقاد صدورهم كان يقرهم بين أظهر الصحابة ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشرك بالله لأن أحدهم كان إذا يتحقق عليه أنه قد قال قولا كفر فيه بالله ثم أخذ به أنكره وأظهر الإسلام بلسانه فلم يكن صلى الله عليه (وآله) وسلم يأخذه إلا بما أظهر له من قوله ثم حضوره إياه وعزمه على إمضاء الحكم فيه دون ما سلف من قول كان نطق به قبل ذلك ودون اعتقاد ضميره الذي لم يبح الله لأحد الأخذ به في الحكم وتولى الأخذ به هو دون خلقه..إنتهى كلام الطبري بعينه!
ثالثاً: وقد يطرح أحدهم إشكالاً وهو: كيف كان الهجوم مفاجئاً مع التهديد بالإحراق، بل بإحراق باب البيت العلوي؟
أقول، وهو دليلٌ آخر على أن الأمر كان فجأة، وأمراً لم يكن متوقعاً، وهو أن مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها كانت حاسرة، وليس عليها خمارٌ تستر به وجهها الشريف!
قال العلامة المجلسي قدس : رُوي بأسانيد معتبرة عن سليم بن قيس الهلالي ، وغيره ، عن سلمان والعباس قالا : - والنص لكتاب سليم: قال سليم بن قيس
رابعاً: يطرح أحدهم إشكال كيف يسمح الامام علي عليه السلام لزوجته ان تفتح الباب، وهذا ليس من باب عادات العرب؟ ولماذا الزهراء صلوات الله عليها تقف لتكلمهم من وراءا الباب؟
الجواب:
أ : الزهراء صلوات الله عليها لم تفتح الباب أبداً لهم!
ب : هم هجموا وأحرقوا الباب واقتحموا البيت الطاهر دون إذن، ولذلك وجدناً الزهراء صلوات الله عليها ليس عليها خماراً تستر به وجهها، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
ج : خروج الزهراء عليها السلام لهم كان من باب أن يرتدع القوم من الهجوم على بيت بنت رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم , لأن المخاطب لهم من وراء الباب هو بنت نبيهم التي قال في حقها رسول الله صلوات الله عليه وآله : فاطمة بضعة مني من أحبها فقد أحبني ومن أغضبها فقد أغضبني ومن آذاها فقد آذاني!
وعلى ذلك، فهل ارتدعوا ورجعوا..؟! أم أن الظالمين وفي مقدمتهم الأول والثاني أمر بإحراق البيت وقيل للثاني : إن في الدار فاطمة , فقال : وإن !!!
د : هذا في حد ذاته أكبر دليل على أنهم عصوا رسول الله صلوات الله عليه وآله ولم يحترموا حرمته، ولم ينفذوا وصيته في أهل بيته صلوات الله عليهم، وهذا هو الإنقلاب على الأعقاب, وهذا هو الضلال المبين!
هـ : وقع الأمر في كونها بنت الرسول الأعظم صلوات الله عليه وآله وأنه قد أوصابهم بها وبأهل بيته صلوات الله عليهم، أعظم من هذا، فمن يأتي مهدداً لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام، أبعد أن تقول بأن في قلبه ذرة حياء، ولذلك بعد أن حدثتهم الزهراء بأبي هي وأمي ونفسي وأنها بنت رسول الله صلوات الله عليه وآله، رجع الكثير منهم ولم يشاركوا عمر بن الخطاب في أمره، على أن ذلك ليس بمقبلول منهم أيضاً، لأنهم يجب أن يحاموا عن حرمة رسول الله صلوات الله عليه وآله، فحرمته في حياته كحرمته في مماته، فيقول القرآن الكريم في سورة البروج الآية 7: وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ!
فموقف المتفرج غير مقبول ابداً، إما مع الله ومع غيره، أي أن هؤلاء الذين قبلوا الآذى على المؤمنين، وشهدوا هذا العذاب لهم وهم صامتون ساكتون لم يحركوا ساكناً، سيحشرون مع الظالمين، ولذلك نحن نقول في زيارة عاشوراء: ولعن الله أمة قبلت بذلك فرضيت به، أي أن سكوتها (سواء بالقول أو الفعل) يعني رضاها عن ذلك!
خامساً: الإمام بعد أن حصل ذلك، هجم عليهم ولم يبطئ في ذلك أبداً، بل هجم كالليث عليهم (لكنه لم يحرك سيفه فيهم لأن الرسول صلوات الله عليه وآله كان قد أوصاه بعدم رفعه) وقد ذكرت الروايات بأنه قد قبض على عمر وطرحه أرضا وجثى على صدره، لكنه لم يقتله لأنه موصى، فتكاثروا عليه وهو على تلك الحالة وقيدوه وأخذوها ملبباً!
فعندما دخل عمر بن الخطاب البيت الطاهر ماذا حصل؟
فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه ثم نتره (أي جذبه بشدة) فصرعه ووجأ أنفه ورقبته وهم بقتله ، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وما أوصاه به ، فقال : ( والذي كرم محمداً بالنبوة -يا بن صهاك- لولا كتاب من الله سبق وعهد عهده إليَّ رسول الله صلى الله عليه وآله لعلمت إنك لا تدخل بيتي )!
فأرسل عمر يستغيث ، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار وثار علي عليه السلام إلى سيفه . فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام إليه بسيفه ، لما قد عرف من بأسه وشدته . فقال أبو بكر لقنفذ: ( إرجع ، فإن خرج وإلا فاقتحم عليه بيته ، فإن امتنع فاضرم عليهم بيتهم النار )
فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن ، وثار علي عليه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه وهم كثيرون ، فتناول بعضهم سيوفهم فكاثروه وضبطوه فألقوا في عنقه حبلا!
وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت ، فضربها قنفذ الملعون بالسوط فماتت حين ماتت وإن في عضدها كمثل الدملج من ضربته ، لعنه الله ولعن من بعث به، ثم انطلق بعلي عليه السلام يعتل عتلا حتى انتهي به إلى أبي بكر ، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعيد وسائر الناس جلوس حول أبي بكر عليهم السلاح!
راجع كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري ص 150 ، وأيضاً كتاب الإحتجاج!
إذاً أمير المؤمنين صلوات الله عليه لم يكن يتفرج وهم يدخلون عليه الدار أبداً، بل حامى عن حرم بيته وبضعة رسول الله صلوات الله عليه وآله، لكن الوصية قيدته بعدم سفك دمهم!
فيتضح لنا أن ضرب الزهراء صلوات الله عليها كان في هذه الأحوال فقط:
أ- الهجوم المفاجئ من قبل القوم الظالمين في بادئ الأمر!
ب- بعد تقييد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه!
إذاً أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله لم يكن متفرجأً كما يظن البعض
سادساً: الوصية أمر جدير بأن نلتفت إليه: وهو أن نبي الله هارون عليه السلام قد كان موصىً من قبل نبي الله موسى عليه السلام، ولم يحرك ساكنا ولم يحمل السيف بالرغم من أن بنو إسرائيل عبدوا العجل، فأيهما أعظم أن تنقلب الأمة ، فتشرك وتكفر بالله، أم أن أصبر ولو ظلمت زوجتي بل وتضرب على أن لا يكفر الناس أو يعودوا كفاراً..؟؟
بلى قد أوصاه رسول الله صلوات الله عليه وآله بالجهاد إذا ما وجد الأنصار ، ولكن ذلك لم يكن، يقول أمير المؤمنين صلوات الله عليه لابن قيس بشأن وجود الأنصار (كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري ص 217) : ولو كنت وجدت يوم بويع أخو تيم (يعني أبي بكر) تتمة أربعين رجلا مطيعين لي لجاهدتهم؟
ماذا لو جاهدهم من دون وجود الأنصار؟
يعني بأنهم سيقتلون ، وسيؤول الإسلام وما بناه رسول الله صلوات الله عليه وآله إلى الخراب والدمار والشتات، أي أن جهاد الرسول صلوات الله عليه وآله وتحمله هذه المشقة وهذا العناء في سبيل رفع راية لا إله إلا الله قد ذهب هباءً منثوراً!
وعندما تراجع التاريخ، ستجد بأن الفتوحات الإسلامية، ما كانت إلا بسيوف القلة الباقية من أتباع أمير المؤمنين صلوات الله عليه؟
النتيجة
فيتضح مما ذكرت أعلاه، بأن الإمام عليه السلام لم يحرك ساكنا بعد ذلك لكي يحافظ على الإسلام، فأي أمر يكون بعد وفاة رسول الله صلوات الله عليه وآله من الشقاق سوف يكون الكفر لا محال، ولذلك صبر على ذلك سيدي ومولاي، كما صبر نبي الله هارون عليه السلام في القصة القرآنية المشهورة، قال تعالى في سورة طه آية 92-94: قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي؟ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟، يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي...آية 94 من سورة طـه!
والكلمة (لاَّ تَتَّبِعَنِي؟ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي؟) والكلمة (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) تدلان على أنه كان موصىً من قبل نبي الله موسى عليه السلام، ولذلك لم يجاهدهم على أنهم قد أشركوا وعبدوا العجل!
الخلاصة نقول بأنه من اللامعقول بأن لا يرفع السيف حينما ضربوا الزهراء عليها السلام، وقد قاوم ذلك الظلم بما يستطيع حتى أخذوه كتافا!
وسؤال أسأله كل مؤمن، أيهما أعظم ضرب الزهراء عليها السلام أم أن يرتد الناس على أدبارهم..؟؟
ما دام أمير المؤمنين عليه السلام يقول لو جاهد بالسيف لارتد الناس كلهم (فأيهما أفضل، أن يرتد كل الناس، أم أن يبقى ثلة مؤمنة صابرة تنشر الإسلام، وهذا ما حصل فعلاً..؟؟)
وصبر الإمام عليه السلام، لا يقاس بصبر الناس، فهو إمام معصوم مربوط على قلبه، أنا وأنت لا نتحمل هذا الأمور فتكون ردة فعلنا ليس كما يريدها الله سبحانه وتعالى، فصبر مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه وصل إلى مراحل عظيمة لا يدانيه فيها أحدٌ أبداً، وكل ذلك لله وفي سبيل الله